فصل: قال ابن القيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن عامر بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: جئت أمي فقلت وجدت قومًا ما رأيت خيرًا منهم قط، يذكرون الله تعالى فيرعد أحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله فقالت: لا تقعد معهم.
ثم قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن، ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن فلا يصيبهم هذا. افتراهم أخشى من أبي بكر وعمر؟
وأخرج ابن أبي شيبة عن قيس بن جبير رضي الله عنه قال: الصعقة من الشيطان.
أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر عن إبراهيم رضي الله عنه في الرجل يرى الضوء قال: من الشيطان، لو كان يرى خيرًا لأوثر به أهل بدر.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه خطاياه كما يتحات عن الشجرة البالية ورقها.
وأخرج الحكيم الترمذي عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: ليس من عبد على سبيل ذكر سنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله تعالى إلا كان مثله مثل شجرة يبس ورقها وهي كذلك فاصابتها ريح تحات ورقها كما تحات عن الشجرة البالية ورقها، وليس من عبد على سبيل وذكر سنة وذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله إلا لم تمسه النار أبدًا.
{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)} أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة} قال: يجر على وجهه في النار وهو مثل قوله: {أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنًا يوم القيامة} [فصلت: 40].
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ينطلق به إلى النار مكتوفًا ثم يرمى فيها، فأول ما تمس وجهه النار.
{قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)} أخرج الآجري في الشريعة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {قرآنًا عربيًا غير ذي عوج} قال: غير مخلوق.
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {قرآنًا عربيًا غير ذي عوج} قال: غير مخلوق.
وأخرج ابن شاهين في السنة عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «القرآن كلام الله غير مخلوق».
وأخرج ابن أبي حاتم في السنة والبيهقي في الأسماء والصفات عن الفرج بن زيد الكلاعي رضي الله عنه قال: قالوا لعلي رضي الله عنه: حكمت كافرًا ومنافقًا فقال: ما حكمت مخلوقًا، ما حكمت إلا القرآن.
وأخرج البيهقي وابن عدي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: القرآن كلام الله، وليس كلام الله بمخلوق.
وأخرج البيهقي عن عكرمة رضي الله عنه قال: صلى ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة، فلما وضع الميت في قبره قال له رجل: اللهم رب القرآن اغفر له. فقال له ابن عباس رضي الله عنه: مَهْ لا تقل مثل هذا منه بدا وإليه يعود. وفي لفظ فقال ابن عباس: ثكلتك أمك..! إن القرآن منه.
وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: القرآن كلام الله.
وأخرج البيهقي عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه قال: أدركت مشيختنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار يقولون: القرآن كلام الله ليس بمخلوق.
وأخرج البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: سأل علي بن الحسين عن القرآن فقال: ليس بخالق ولا بمخلوق، وهو كلام الخالق.
وأخرج البيهقي عن قيس بن الربيع قال سألت جعفر بن محمد رضي الله عنه عن القرآن فقال: كلام الله قلت: مخلوق؟ قال: لا. قلت: فما تقول فيمن زعم أنه مخلوق؟ قال: يقتل ولا يستتاب.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {قرآنًا عربيًا غير ذي عوج} قال: غير ذي سلس.
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)} أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {ضرب الله مثلًا رجلًا فيه شركاء متشاكسون} قال: الرجل يعبد آلهة شتى. فهذا مثل ضربه الله تعالى لأهل الأوثان {ورجلًا سلمًا} يعبد إلهًا واحدًا ضرب لنفسه مثلًا.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ضرب الله مثلًا رجلًا فيه شركاء متشاكسون} قال: هو المشرك تنازعه الشياطين لا يعرفه بعضهم لبعض {ورجلًا سلمًا لرجل} قال: هذا المؤمن أخلص لله الدعوة والعبادة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ضرب الله مثلًا رجلًا فيه شركاء متشاكسون ورجلًا سلمًا لرجل} قال: آلهة الباطل وإله الحق.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه {شركاء متشاكسون} يعني الصنم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ورجلًا سلمًا} قال: ليس لأحد فيه شيء.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأها {ورجلًا سلمًا لرجل} بغير ألف منصوبة اللام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مبشر بن عبيد القرشي رضي الله عنه قال: قراءة عبد الله بن عمر رضي الله عنه {ورجلًا سلمًا لرجل} قال: خالصًا لرجل. فإنما يعني مستسلمًا لرجل.
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)} أخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنه قال: لقد لبثنا برهة من دهرنا ونحن نرى أن هذه الآية نزلت فينا، وفي أهل الكتابين من قبل {إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} قلنا: كيف نختصم ونبينا واحد، وكتابنا واحد؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعرفت أنها نزلت فينا.
وأخرج نعيم بن حماد في الفتن والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عشنا برهة من دهرنا ونحن نرى هذه الآية نزلت فينا {إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} فقلت: لم نختصم. أما نحن فلا نعبد إلا الله، وأما ديننا فالإِسلام، وأما كتابنا فالقرآن لا نغيره أبدًا ولا نحرف الكتاب، وأما قبلتنا فالكعبة، وأما حرمنا فواحد، وأما نبينا فمحمد صلى الله عليه وسلم. فكيف نختصم؟ حتى كفح بعضنا وجه بعض بالسيف، فعرفت أنها نزلت فينا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نزلت علينا الآية {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} وما ندري ما تفسيرها ولفظ عبد بن حميد. وما ندري فيم نزلت! قلنا ليس بيننا خصومة، فما التخاصم؟ حتى وقعت الفتنة فقلنا: هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن عساكر عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه قال: أنزلت هذه الآية {إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} وما ندري فيم نزلت! قلنا: ليس بيننا خصومة قالوا وما خصومتنا ونحن اخوان؟! فلما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه قالوا: هذه خصومة ما بيننا.
وأخرج عبد بن حميد عن الفضل بن عيسى رضي الله عنه قال: لما قرأت هذه الآية {إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} قيل: يا رسول الله فما الخصومة؟ قال: «في الدماء».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إنك ميت وإنهم ميتون} قال: نعى لنبيه صلى الله عليه وسلم نفسه، ونعى لكم أنفسكم.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وابن منيع وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في البعث والنشور عن الزبير بن العوّام رضي الله عنه قال: لما نزلت {إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} قلت: يا رسول الله أينكر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال: «نعم لينكرن ذلك عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه» قال الزبير رضي الله عنه: فوالله إن الأمر لشديد.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: لما أنزلت هذه الآية {إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} قال الزبير رضي الله عنه: يا رسول الله يكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم ليكرر ذلك عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه» قال الزبير رضي الله عنه: إن الأمر لشديد.
وأخرج سعيد بن منصور عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما نزلت {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} كنا نقول ربنا واحد، وديننا واحد، فما هذه الخصومة؟! فلما كان يوم صفين، وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا: نعم. هو هذا.
وأخرج أحمد بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليختصمن يوم القيامة كل شيء حتى الشاتين فيما انتطحتا».
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند لا بأس به عن أبي أيوب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته. والله ما يتكلم لسانها ولكن يداها ورجلاها، يشهدان عليها بما كانت لزوجها، وتشهد يداه ورجلاه بما كان يوليها. ثم يدعى الرجل وخادمه بمثل ذلك، ثم يدعى أهل الأسواق وما يوجد، ثم دوانق ولا قراريط ولكن حسنات هذا تدفع إلى هذا الذي ظلم، وسيئآت هذا الذي ظلمه توضع عليه، ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد فيقال: أوردوهم إلى النار. فوالله ما أدري يدخلونها أو كما قال الله {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71]».
وأخرج أحمد والطبراني بسند حسن عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول خصمين يوم القيامة جاران».
وأخرج البزار عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجاء بالأمير الجائر فتخاصمه الرعية».
وأخرج ابن منده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يختصم الناس يوم القيامة حتى يختصم الروح مع الجسد. فيقول الروح للجسد أنت فعلت، ويقول الجسد للروح أنت أمرت وأنت سوّلت. فيبعث الله تعالى ملكًا فيقضي بينهما، فيقول لهما: إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير وآخر ضرير دخلا بستانًا فقال المقعد للضرير: إني أرى هاهنا ثمارًا ولكن لا أصل إليها. فقال له الضرير: اركبني فتناولها، فركبه فتناولها، فأيهما المعتدي؟ فيقولان: كلاهما فيقول لهما الملك: فإنكما قد حكمتما على أنفسكما. يعني أن الجسد للروح كالمطية وهو راكبه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} يقول: يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم، والمهتدي الضال، والضعيف المستكبر.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء رضي الله عنه. أن رجلًا أبصر جنازة فقال: من هذا؟ قال: أبو الدرداء رضي الله عنه هذا أنت هذا أنت.. يقول الله {إنك ميت وإنهم ميتون}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي فَمنْ يتقي بوجهه سوءَ العذاب كَمَنْ ليس كذلك؟ وقيل إنَّ الكافرَ يَلْقَى النارَ أَوَّلَ ما يلقاها بوجهه؛ لأنه يُرمَى فيها منكوسًا. فأمَّا المؤمِن فيُوقَى ذلك؛ وإنما يُلَقَّى النضرة والسرور والكرامة؛ فوجهُهُ ضاحكٌ مُسْتَبْشِرٌ.
{كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25)} أَشدُّ العذابِ ما يكون بغتةً، كما أَنَّ أتمَّ السرور ما يكون فلتةً.
ومن الهجران والفراق ما يكون بغتةً غير متوقع، وهو أنكى للفؤاد وأشدُّ وأوجعُ تأثيرًا في القلب، وفى معناه قلنا:
فَبِتَّ بخيرٍ والدُّنى مطمئنةٌ ** وأَصبحتَ يومًا والزمانُ تَقَلَّبَا

وأتمُّ السرورِ وأعظمه تأثيرًا ما يكون فجأة، قال قائلهم:
بينما خاطر المُنى بالتلاقي ** سابح في فؤاده وفؤادي

جَمَع اللَّهُ بيننا فالتقينا ** هكذا صُدْفةً بلا ميعادِ

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)} أي أوضحنا لهم الآيات، ووقفناهم على حقائق الأشياء.
{غَيْرَ ذِى عِوَجٍ} فلا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خَلْفِه.
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)} مَثَّلَ الكافرَ ومعبوديه بعبدٍ اشترك فيه متنازعون.
{فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} فالصنم يدعي فيه قومٌ وقومٌ آخرون؛ فهذا يقول: أنا صَنَعْتُه، وذلك يقولك أنا استعملْتُه، وثلاث يقول: أنا عَبَدْتُه.
أمّا المؤمن فهو خالِصٌ لله عزَّ وجل، يشبه {عبدًا سَلَمًا لرجل} أي ذا سلامة من التنازع والاختلاف.
ويقال: {رَّجُلًا فِيهَ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} تتجاذبه أشغال الدُّنيا، شُغْلُ الوَلدِ وشغل العيال، وغيرُ ذلك من الأشغالِ المختفلةِ والخواطرِ المُشَتِّتَةِ.
أمَّا المؤمِن فها خالصٌ لله ليس لأحدٍ فيه نصيب؛ ولا للدنيا معه سبب إذ ليس منها شيء، ولا للرضوان معه شُغْل، إذْ ليس له طاعات يُدِلُّ بها، وعَلَى الجملة فهو خالص لله، قال تعالى لموسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى} [طه: 41] أي أبقيتُكَ لي حتى لا تصلح لغيره.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} الثناءُ له، وهو مُسْتَحِقٌّ لصفات الجلال.
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)} نَعَاه- موسى عليه السلام- ونَعَى المسلمين إليهم فَفزِعُوا بأجمعهم من مآثمهم، ولا تعزية في العادة بعد ثلاث. ومَنْ لم يَتفرَّغْ من مآثمِ نفسه وأنواع همومه، فلس له من هذا الحديث شمّة، فإذا فرغ قلْبُه من حديث نَفْسِه، وعن الكون بجملته فحينئذٍ يجد الخيرَ من ربِّه، وليس هذا الحديث إلا بعد فنائهم عنهم، وأنشد بعضهم:
كتابي إليكم بعد موتي بليلةٍ ** ولم أدرِ أني بعد موتي أكتب

. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا} هذا مثل ضربه الله سبحانه للمشرك والموحد فالمشرك بمنزلة عبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحون والرجل المتشاكس الضيق الخلق فالمشرك لما كان يعبد آلهة شتى شبه بعبد يملكه جماعة متنافسون في خدمته لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين.
والموحد لما كان يعبد الله وحده فمثله كمثل عبد لرجل واحد قد سلم له وعلم مقاصده وعرف الطريق إلى رضاه فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه مع رأفة مالكه به ورحمته له وشفقته عليه وإحسانه إليه وتوليه لمصالحه فهل يستوي هذان العبدان.
وهذا من أبلغ الأمثال فإن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وإحسانه والتفاته إليه وقيامه بمصالحه ما يستحق صاحب الشركاء المتشاكسين الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون. اهـ.